خيرون يكتب: الأزمة قائمة… والحكومة نائمة
نزار خيرون
مع توالي الأيام يتبين جليا أن هذه الحكومة نائمة بل مصممة على الغياب تماماً عنّا كمواطنين وغير مكثرتة للمعاناة اليومية في ظل الأزمة القائمة إثر الارتفاع غير المسبوق في أسعار بعض المواد الأساسية شمل حتى حليب الأطفال الذي تضاعف ثمنه، ناهيكم عن المحروقات التي شهدت يوم الثلاثاء ارتفاعاً رابعاً على التوالي خلال هذا الشهر فقط.
نتفهم تمامَ التفهم أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من تداعيات على المستوى الدولي كان ولازال لها وقعٌ على الحياة المعيشية للمواطنين بالمغرب، لكنه سيبقى ضئيلاً جدا وحتماً لن يصل إلى هذا المستوى المُهوِل الذي وصل إليه اليوم، والأكيد أن تمة أسباب أخرى لهذا الاشتعال الحارق في الأسعار التي نشهدها اليوم في عدد كبير من المواد، وهنا يكمن دور الحكومة في أن تبحث وتقوم بجرد هذه الأسباب وتتدخل بما لها من آليات وصلاحيات لتقي المواطن شر ارتفاع الأسعار وتتواصل معه وتشرح له بل وتحميه من جشع الشركات التي إذا لم تشعر بأن هناك رقيب فإنها لن ترحم المواطن باختلاف مستواه المعيشي.
فالبعضُ يرجح سبب هذه الارتفاعات في الأسعار إلى مبادرات ذاتية لبعض الشركات المنتجة والموزعة للمواد الأولية، أمام غياب المراقبة وفي ظل ارتفاع أسعار المحروقات، مما أثر سلباً على كلفة الإنتاج والتوزيع، والبعض الآخر يعزو هذا الارتفاع إلى احتكار في بعض المواد الأولية مما أدى إلى ارتفاع ثمنها، وكل هذا أمام صمتٍ رهيب ولامبالاة غير مسبوقة من طرف الحكومة وكأنها تقول للمواطن “اذهب أنت وجيبك وقاتلا”.
أما أسعار المحروقات -ورغم استقرار الأسعار دولياً- فإنها في المغرب تعرف زيادات متتالية آخرها الزيادة التي عرفتها أمس الثلاثاء، وهي الزيادة الرابعة على التوالي خلال هذا الشهر فقط، بل أن سعر المحروقات اليوم بالمغرب يعد من الأكثر ارتفاعا مقارنة مع بعض الدول غير المنتجة للبترول بما فيها الجارة الشقيقة تونس.
تُنتخبُ الحكومات لتنوب عن الشعوب في تدبير شأنها العام، فتكون هي الحصن المنيع للمواطن حتى لا يمسه ما يضره بشكل أو بآخر، وفي الحالات الاستثنائية تتدخل بما تتيحه لها صلاحياتها ووفق ما تملكه من آليات حتى تعيد الأمور إلى نصابها، وتتواصل مع مواطنيها لتخبرهم بكل جديد، وبذلك تؤدي دورها وواجبها الدستوري والأخلاقي والسياسي، وفي عالم التواصل المؤسساتي والسياسي هناك نظرية مهمة تسمى “تواصل الأزمات” وتعتمد على خطة أو استراتيجية تواصلية استثنائية تستجيب للحاجيات خلال الأزمة القائمة (الارتفاع المهول للأسعار في حالتنا)، لكن حكومتنا الموقرة لم تقم بدورها حتى في التواصل العادي فما بالكم بتواصل الأزمات، تاركة المغاربة يكتوون بلهيب ارتفاع الأسعار، الذي لم يترك لا طبقة هشة ولا متوسطة إلا وقد أضر بها، مكتفية بترديد الشماعة البالية، “الحرب الروسية الأوكرانية”، كلما سئل ناطقها الرسمي في ندوته الأسبوعية الجامدة.
وبعيداً عن التواصل وفي صُلب السياسة والتدبير فإن للحكومة آليات عدة لمحاربة هذا الارتفاع المهول من بينها “اللجنة البينوزارية لتتبع الأسعار ومراقبة الأسواق” التي تتكون من قطاعات وزارية عدة، وتشتغل تحت وصاية وزارة المالية، وآلية أخرى من خلال الحوار مع أرباب الشركات كما كانت تفعل الحكومة السابقة (حالة ارتفاع سعر الزيت قبيل الانتخابات نموذجا)، بالإضافة إلى آلية تنفيذ بعض بنود قانون حرية الأسعار والمنافسة لإرجاع السوق إلى حالته الطبيعية وتقي المواطن جشع الشركات وتحميه من لهيب الأسعار.
أما بخصوص أسعار المحروقات، فالسيد رئيس الحكومة يعرف جيدا ما عليه فعله، أولا باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية وثانيا لكونه شغل منصب وزير المالية بالنيابة في حكومة ابن كيران وثالثا كفاعل أساسي في قطاع المحروقات بالمغرب، فخلال حكومة ابن كيران وقع عزيز أخنوش، باعتباره وزيرا للمالية بالنيابة، على عقد التحوط (hedging) سنة 2013 وهو تأمين يتخذ في سوق معين للتعويض عن التعرض لتقلبات الأسعار في سوق آخر بهدف تقليل التعرض لمخاطر غير مرغوب فيها، وتم توقيعه آنذاك بقرار من رئيس الحكومة حتى إذا ارتفعت أسعار المحروقات دولياً تحافظ على سعرها بالمغرب، كما يمكن للسيد رئيس الحكومة أن يعتمد على تسقيف أسعار المحروقات وهو الذي يعرف جيدا من في الأغلبية السابقة عارض المشروع الذي جاءت به الحكومة آنذاك، مادامت لديه اليوم الأغلبية التي تنتمي لحزبه ولحزب غيره، داخل وخارج البرلمان من سياسيين وفاعلين إعلاميين، طبعا دون أن نذكره بإمكانية تعديل تركيبة أسعار المحروقات اليوم، أو التخفيض من الضريبة على المحروقات أو غيرها من الإجراءات القانونية التي يمكن أن يلجأ إليها بأعين مغمضة، وأخيراً يمكن للسيد رئيس الحكومة باعتباره فاعلا في قطاع المحروقات ورئيس شركة أكوى التي تدير تجمع النفطيين بالمغرب أن ينظم جلسة حوار مع هذه الشركات حتى تخفض من هامش أرباحها في مبادرة تضامنية ووطنية خدمة لهذا الوطن ومواطنيه الذين يزرحون تحت حر لهيب الأسعار المشتعل، بل لماذا لم تبتكر حكومتنا حلولا كما قامت بها بعض الحكومات عبر رفع الضريبة على شركات المحروقات كما هو الشأن في بريطانيا مثلا، أو كما هو الشأن بالنسبة للحكومة الألمانية التي منحت مواطنيها مؤخرا تذكرة تتيح لهم استخدام وسائل النقل العامة بقيمة 9 أورو لمدة ثلاثة أشهر وذلك بهدف التخفيف من تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة.
لدى حكومتنا الموقرة ورئيسها عدة آليات لإيقاف هذا الارتفاع المهول في الأسعار وللتخفيف عن المواطن من شدته، وقبل هذا وذاك يمكنها على الأقل أن تنهج نهجاً تواصليا تشرح فيه وتعلل للمواطنين أسباب هذا الارتفاع وتعمل على طمأنتهم بأنها إلى جانبهم وأنها حكومة تنحاز إلى الشعب بكل فئاته الهشة والمتوسطة وليس فقط لرجال الأعمال وأنها ليست حكومة الشركات كما توصف ولإثبات أنها حكومة الكفاءات فعلاً علما أننا لحدود اللحظة لم نرى منها أي كفاءات تُذكر بحيثُ لم تبتكر أية حلول للأزمة القائمة منذ شهور خلت.