خيرون يكتب : في الذكرى الـ 20 للانطلاقة الجديدة لشبيبة العدالة والتنمية
نزار خيرون
أتمت شبيبة العدالة والتنمية في يوليوز 2022 عشرين سنة على انطلاقتها الجديدة، فتاريخ التأسيس يعود لسنة 1973 تحت اسم “اتحاد الشبيبة الشعبية” ورئاسة المرحوم بوسلام ممادي، إلى غاية سنة 1998، حيثُ كَلَّفت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عزيز رباح برئاستها كهيئة وظيفية تابعة لها.
أربع سنوات بعد ذلك، أي في يوليوز 2002، عقدت الشبيبة مؤتمراً استثنائياً، تمت المصادقة فيه على تغيير اسمها إلى شبيبة العدالة والتنمية، كما تم انتخاب الأخ عزيز رباح كاتبا وطنيا، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا جرت مياه كثيرة تحت جسر الشبيبة، حيث تحولت من لجنة وظيفية لحزب العدالة والتنمية إلى منظمة موازية قائمة بذاتها وممثلة في كل ربوع المملكة بهيئات مجالية، جهوية وإقليمية ومحلية، ولها بدورها هيئات موازية كجمعية رواد للتربية والتخييم، المنظمة المغربية للرائدات، المرصد الشبابي لتتبع وتقييم السياسات العمومية، المنظمة المغربية المدرسية.
مسارٌ تنظيمي نموذجي
منذ انطلاقتها الجديدة، عملت الشبيبة على بلورة نموذجها التنظيمي عبر إنضاج وتطوير مجموعة من الأوراق المؤطرة لأدائها بالموازاة مع الهيكلة التنظيمية والتوسع المجالي الذي شكّل ورشا مفتوحا طيلة المرحلة، منذ مؤتمر فاس 2004، وبالخصوص بعد سنة 2011، حيث تزايد الإقبال على الشبيبة وبروز الحاجة الماسة إلى الإسراع في إيجاد وسائل الاستيعاب الضرورية للعدد الكبير من المنخرطين ومواكبة الوتيرة المتصاعدة لمطالب الهيئات المجالية في التكوين والتأطير.
كما كان للشبيبة نصيبٌ من النجاح الذي شهده الحزب، حيث شكلت الترجمة الفعلية لمشروعه ومنهجه ومبادئه في مجال الشباب ونجحت في استقطاب عشرات الآلاف من الشباب المغربي عبر الوسائل التي اعتمدتها كالملتقيات الوطنية التي تستوعبُ حوالي 3000 شاب وشابة من مختلف أنحاء المغرب، تستضيفهم لمدة أسبوع من التأطير والتكوين في مجالات مختلفة كالسياسة، والتربية، الفكر، الاقتصاد، من تأطير شخصيات سياسية فكرية من داخل وخارج المغرب، بالإضافة إلى المنتديات الفكرية والسياسية والحملات الوطنية، التي ساهمت شبيبة العدالة والتنمية عبرها بفعالية في التأطير والتكوين والتحسيس بجملة من القضايا، كأهمية قضية الصحراء المغربية وتمليك الشباب أساليب الترافع عنها، كما ساهمت، عبر هذه الحملات، في تشجيع الشباب على المشاركة السياسية والتسجيل في اللوائح الانتخابية سيما خلال سنة 2015 ، حيث أقنعت حوالي 200 ألف مواطن ومواطنة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، معظمهم من الشباب، هذا النموذج جعل من بعض الأحزاب تُقلِّدُه في نموذجه التنظيمي والإشعاعي.
قوة اقتراحية واستقلالية في المواقف
شكّلت هذه المنظمة الشبابية الرائدة قوة اقتراحية للحزب بأنشطتها ومواقفها، وحافظت على استقلاليتها حتى والحزب يترأس الحكومة، وفي أحايين كثيرة كانت مواقفها مناقضة تماماً لقرارات حكومية.
وشكلت شبيبة العدالة والتنمية، طيلة ترؤس الحزب للحكومة، نموذج للهيئة الشبابية القوية المواكبة للمستجدات، معتمدة التعبئة المتواصلة والقوية لإنجاح استحقاقات مراحل انتخابية مهمة، احتاج فيها المشروع إلى تجديد المشروعية الشعبية لمواصلة مشروعه الإصلاحي بنفس قدر حاجته للالتزام التنظيمي والفكري والسياسي في صفوف الأعضاء بما يضمن انخراطهم الايجابي والفعال في مختلف الاستحقاقات الحزبية والشبيبية، وهو الأمر الذي لم يتغير بتغير مواقع الحزب بين الحكومة والمُعارضة.
منظمة وطنية رائدة
جعلت الشبيبة من أهدافها تأطير الشباب وتربيته على الاستقامة والمواطنة الصالحة وفق مقوماتنا الإسلامية والحضارية، والدفاع عن قضايا الوطن وفي مقدمتها الوحدة الترابية، إذ شكل هذا الموضوع المهم محوراً استراتيجيا في مختلف أنشطتها الداخلية والإشعاعية، وكذا تحفيز الشباب على المشاركة السياسية والتعامل الإيجابي مع القضايا الوطنية وإذكاء روح التعاون والتكافل الاجتماعي.
فالوطنية بالنسبة للشبيبة ليس ادعاء أو مجرد شعار يرفع في بعض المحافل والأنشطة الإشعاعية، بل إيمان عميق وقناعة راسخة تُترجم في السلوك التنظيمي والسياسي للمنظمة وتظهرُ بشكل فعال في المواقف المتخذة بمبدئية والتي لا تنساق مع التيار وإنما تُراعى فيه المصالح الحقيقية للوطن.
نموذج للنضال الشبابي والديمقراطي والدفاع عن قضايا الأمة
جعلت الشبيبة من نفسها منبراً للدفاع عن قضايا الشباب والديمقراطية، والمشاركة في مختلف المبادرات الشبابية المدنية والسياسية ذات الصلة، سواءٌ من خلال ممثليها داخل المؤسسات الدستورية أو ضمن عمل النسيج الجمعوي، فكانت بحق نموذجا يحتذى به، حيث اتخذت الشبيبة من بين أولوياتها الدفاع عن قضايا الشباب والتواصل معه والإسهام في بلورة الحلول الممكنة والبرامج المناسبة، كذلك الشأن في الدفاع عن الديمقراطية والإرادة الشعبية وتشجيع كل ما من شأنه تعزيز الخيار الديمقراطي.
وبالإضافة إلى عملها على تنمية القدرات الفكرية والثقافية والعلمية والفنية والإبداعية والرياضية للشباب، فقد شكّلت الشبيبة طيلة هذه المدة منبراً لمناصرة قضايا الأمة والقضايا الإنسانية العادلة وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
مدرسة لتخريج القيادات
كانت الشبيبة ولازالت منذ تأسيسها، مدرسة لتأهيل وتخريج القيادات السياسية، إذ تخَرّج منها عددٌ من القيادات الحزبية والسياسية، وأعطت وزراء وبرلمانيين ورؤساء جماعات ومقاطعات وعدد كبير من المستشارين الشباب، كما أن جزء مهم من خريجي الشبيبة شغلوا مناصب سياسية وانتدابية وأصبحوا مراجع في التدبير الحزبي والسياسي وحتى الشبابي.
وتتزامن الذكرى العشرية للانطلاقة الجديدة للشبيبة مع تنظيم المؤتمر الوطني السابع، المزمع تنظيمه في شتنبر المقبل، فمحطة المؤتمر الوطني، وإن كانت تنظيمية داخلية إلا أنها لطالما شكّلت حدثاً سياسيا ونموذجاً ديمقراطياً يحتذى به، فالمؤتمر الوطني لا يقتصر فقط على انتخاب قيادة جديدة بل يُشكل محطة للنقاش الحقيقي حول القضايا التنظيمية والسياسية بكل حرية وإعلان المواقف اللازمة بكل مسؤولية، ناهيكم عن انتخاب المكتب الجديد للشبيبة بكل ديمقراطية.
استشراف لمستقبل واعد
نظراً لما تملّكتْه الشبيبة من تراكم تنظيمي وسياسي، فإن المؤتمر الوطني السابع سيشكل لا محالة درساً ديمقراطياً ومحطة مهمة لتقييم العشرين سنة من عمل الشبيبة واستشراف لمستقبل واعد.
وخلال المرحلة المقبلة، يجب على الشبيبة وهي تُفكّر في تطوير آليات اشتغالها بما يتلاءم وخصوصيات المرحلة ومتطلبات الجيل الجديد، أن تُركّز على التكوين المنهجي للأعضاء والمتعاطفين، ومراجعة النموذج التنظيمي، بما يجعل الوسائل تعتمدُ على الكَيْف والجودة أساساً، دون اعتبار للكم، مع توسيع فضاءات النقاش المستمر من أجل استيعابٍ أكبر للشباب المغربي.
أخيراً فقد عودتنا شبيبة العدالة والتنمية على قوتها الاقتراحية وفعلها الميداني المؤثر، وهذا ما يفرض عليها مُستقبلاً أن تكون في صُلب التحولات التي يشهدها المجتمع والدولة المغربية وتنخرط فيها بكل قوة عبر مختلف الأشكال التنظيمية والإشعاعية، على أن تساهم بالتوازي في تعزيز موقع الشباب في بلورة السياسات العمومية وفي الحياة السياسية بشكل عام.