الحمداوي يكتب: قراءة في مضامين خطاب عيد العرش
بقلم: رضوان الحمداوي
وجه جلالة الملك خطابا إلى الأمة، بتاريخ السبت 31 يوليوز 2021، من مدينة فاس، بمناسبة عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى الثانية والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين.
وقد ركز خطاب الملك الذي جاء في ظرفية صعبة يعيشها المغرب جراء جائحة كورونا التي تضرب العالم، على تحديين أساسيين:
التحدي الأول: التنزيل السليم للميثاق الوطني من أجل التنمية”، الذي يعد الإطار المرجعي، لثلة من المبادئ والأولويات التنموية، وكما يعتبر تعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
التحدي الثاني : توطيد علاقات المغرب مع محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة مع جواره المغاربي مع الحفاظ التام على السيادة.
ومن هذا المنطلق، شدد جلالة الملك في خطابه على الدور الذي قامت به الدولة، في مواجهة وباء كوفيد، مبرزا العناية الكبيرة التي خص بها الشعب المغربي، للحد من تأثير جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين والمواطنات.
وأوضح جلالة الملك في هذا الصدد، “” إنها مرحلة صعبة علينا جميعا ، وعلي شخصيا وعلى أسرتي ، كباقي المواطنين ، لأنني عندما أرى المغاربة يعانون ، أحس بنفس الألم ، وأتقاسم معهم نفس الشعور.
ورغم أن هذا الوباء أثر بشكل سلبي ، على المشاريع والأنشطة الاقتصادية ، وعلى الأوضاع المادية والاجتماعية ، للكثير من المواطنين ، حاولنا إيجاد الحلول ، للحد من آثار هذه الأزمة.
وقد بادرنا ، منذ ظهور هذا الوباء ، بإحداث صندوق خاص للتخفيف من تداعياته ، لقي إقبالا تلقائيا من طرف المواطنين.
كما أطلقنا خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد ، من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة المتضررة ، والحفاظ على مناصب الشغل ، وعلى القدرة الشرائية للأسر ، بتقديم مساعدات مادية مباشرة.
وقمنا بإنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار ، للنهوض بالأنشطة الإنتاجية ، ومواكبة وتمويل مختلف المشاريع الاستثمارية””.
وأكد جلالة الملك أن ما يجعله يعتز ويفتخر به كسائر المغاربة، هو نجاح المغرب في” معركة الحصول على اللقاح”، التي لم تكون بالشيء السهل، كما نحث مفهوما جديدا – السيادة الصحية -، سوف يكون ضمن انشغالات الباحثين والدارسين في العلوم السياسية، حيت اعتبر السيادة الصحية للمواطن والمواطنات، عنصرا أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد، مما جعل جلالة الملك يعلن عن إطلاق مشروع رائد، في مجال صناعة اللقاحات والأدوية والمواد الطبية الضرورية بالمغرب، نتج عنه تسجيل مؤشرات إيجابية لدى الاقتصاد الوطني، في طريق استعادة قدراته الكاملة بفضل هذا المجهود الوطني الجماعي.
كما أشاد جلالة الملك بروح المسؤولية ، التي تعامل بها أعضاء اللجنة الاستشارية للنموذج الوطني، والقوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، وهیآت اقتصادية ونقابية واجتماعية، ومجتمع مدني، وعدد من المواطنين الذين شاركوا في اعداد تقرير النموذج التنموي الجديد.
وفي هذا المضمار، قال جلالة الملك “”لقد قامت اللجنة باجتهاد بناء و مشکور، و بعمل وطني، شاركت فيه القوى الحية للأمة، من أحزاب سياسية، و هیآت اقتصادية ونقابية واجتماعية، ومجتمع مدني، وعدد من المواطنين.
وكما كان الشأن في مرحلة الإعداد، فإننا نعتبر تنفيذ هذا النموذج، مسؤولية وطنية، تتطلب مشاركة كل طاقات وكفاءات الأمة، خاصة تلك التي ستتولى المسؤوليات الحكومية والعمومية، خلال السنوات القادمة. “”
كما أكد صاحب الجلالة، لأهمية ومكانة الميثاق الوطني من اجل التنمية، الذي سوف يعتبر إطارا مرجعا للمبادئ والاولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا.
وفي هذا الشأن، قال جلالة الملك “” وإننا نتطلع أن يشكل “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
وبصفتنا المؤتمن على مصالح الوطن والمواطنين، سنحرص على مواكبة هذا التنزيل، بما يلزم من إجراءات وآليات “”
ونظرا لأهمية العلاقات الديبلوماسية التي يقودها صاحب الجلالة منذ اعتلاءه عرش اسلافيه المنعمين والتي يطبعا الاحترام المتبادل مع دول العالم من جهة، ودول اتحاد المغرب العربي منذ إعلان تأسسيه بمدينة مراكش من جهة أخرى، جاء خطاب العرش لهذه السنة ليؤكد حرص الملك على من أن توطيد الأمن والاستقرار المغرب، مع محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغارب.
في هذا الصدد، قال جلالة الملك “” بموازاة مع مبادراته التنموية، على المستوى الداخلي، فإن المغرب يحرص، بنفس العزم، على مواصلة جهوده الصادقة، من أجل توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي.
وإيمانا بهذا التوجه، فإننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول””.
كما جاء ضمن مضامين الخطاب في مبادرة طيبة توكد أن جلالة الملك ولا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق غير مسؤولين على إقرار إغلاق الحدود بين بلدين جارين وشعبين شقيقين. وأن كب الشروط قائمة لاعادة فتحهم، كما تاسف جلالة الملك على التوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفهم العلاقات المغربية والجزائر.
وبخصوص هذا الوضع، قال الملك محمد السادس،”” فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين.
لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله.
وقد عبرت عن ذلك صراحة، منذ 2008، وأكدت عليه عدة مرات، في مختلف المناسبات.
خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق.
ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا، على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا.
وليس هناك أي منطق معقول، يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود، أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم، أي مبرر مقبول””.
“” نحن لا نريد أن نعاتب أحدا، ولا نعطي الدروس لأحد؛ وإنما نحن إخوة فرق بيننا جسم دخیل، لا مكان له بيننا.
أما ما يقوله البعض، بأن فتح الحدود لن يجلب للجزائر، أو للمغرب، إلا الشر والمشاكل؛ فهذا غير صحيح. وهذا الخطاب لا يمكن أن يصدقه أحد، خاصة في عصر التواصل والتكنولوجيات الحديثة.
وفي الاخير دعا جلالة الملك إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا لتجاوز الخلافات، كما جدد الدعوة الى فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا في أقرب وقت يراه مناسب.
وفي هذا السياق قال جاء جلالة الملك “” لذا، ندعو إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا.
فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان.
لذا، أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك “”
وخلاصة القول ، فإن جلالة الملك أبدا من خلال هذا الخطاب التاريخي في صورتين قوتين: الملك رئيس الدولة من جهة، باعتباره من أقر بفشل النموذج الذي كان يتبعه المغرب سابقا، كما بادر الى المطالبة بصياغة نموذج تنموي جديد يلبي، طلب جميع المغاربة، مع التزمامه بالسهر على تنزيل الميثاق الوطني من أجل التنمية”، الإطار المرجعي، لثلة من المبادئ والأولويات التنموية، والذي يعتبر تعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
الملك رئيس الدولة الذي ينهج سياسية متوزانة في والدبلوماسية مع باقي الدول في احترام تام لسيادة المغرب.